يرى الكاتب محمد حسين أن الإطاحة بنظام الأسد المتجذّر في سوريا على يد تقدّم مفاجئ لقوات المعارضة، أطلقت موجة من التحليلات حول أسباب هذا التحول المفاجئ ومستقبل سوريا بعده.

يشير موقع ميدل إيست مونيتور إلى أن عدّة دول خليجية، وعلى رأسها السعودية وقطر والإمارات، سارعت لدعم الحكومة السورية الجديدة عبر مساعدات اقتصادية، إعفاءات من الديون، دعم دبلوماسي، وضمانات طاقية. السعودية وقطر دفعتا مجتمعتين ديون سوريا كاملة، وتكفّلتا برواتب القطاع العام. في حين أعلنت الإمارات عن استثمارات ضخمة، منها تطوير ميناء طرطوس بقيمة 800 مليون دولار.

أتى هذا الانفتاح الخليجي مدفوعًا بإلغاء العقوبات الأمريكية والأوروبية التي أعاقت الاقتصاد السوري سنوات طويلة، ما أتاح فتح الأسواق دون تهديد قانوني.

رغم اختلاف الرؤى سابقًا، تتقارب الآن مصالح دول الخليج الكبرى – الرياض وأبو ظبي والدوحة – لتشكيل قطب إقليمي مشترك، بعد سنوات من التنافس في ملفات عدة.

 

فراغ إقليمي

في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، هيمن التيار القومي العربي على المشهد الإقليمي، ما وضع الممالك الخليجية في موقف دفاعي، خاصة مع موجات الانقلابات والعسكرة والحكم الاستبدادي. ثم جاءت انتفاضات الربيع العربي عام 2011، وأحدثت خلخلة كبيرة في الأنظمة، لكن البدائل المنتخبة انهارت سريعًا بفعل الانقسامات وضعف القيادة.

فشلت التجربة الديمقراطية المدعومة من قطر وتركيا، وغابت ملامح قيادة إقليمية واضحة، خصوصًا بعد التصعيد الإيراني الإسرائيلي مؤخرًا في ما وصف بـ"حرب الـ12 يومًا". يرى د. أندرياس كريج، أستاذ السياسة في كينجز كولدج، أن التصعيد أظهر "فراغًا استراتيجيًا" يتطلب من الخليج إما ملأه أو مواجهة تبعاته.

يشير كريج إلى أن طهران تواجه إضعافًا ممنهجًا، ما ينذر بجوار هش، مليء بالجماعات المسلحة، ويضع الخليج أمام مسؤولية تشكيل واقع إقليمي أكثر استقرارًا.

 

لحظة خليجية جديدة

يوضح كريج أن دول الخليج، خصوصًا السعودية وقطر والإمارات، تسعى لقيادة بديلة بعيدة عن نموذج إيران الثوري ونهج إسرائيل التوسعي. قطر وعُمان لعبتا أدوارًا دبلوماسية بارزة، خصوصًا في الوساطة مع واشنطن وإنقاذ محادثات الملف النووي.

يرى د. بدر السيف، أستاذ التاريخ بجامعة الكويت، أن دول الخليج وجدت نفسها في موقع القيادة بعد تراجع مراكز القوى التقليدية في العالم العربي. ويوضح أن هذا الدور تطوّر من غير وعي إلى رؤية استراتيجية واعية، إذ بات استقرار المنطقة شرطًا لتحقيق رؤى ما بعد النفط.

قارن السيف بين استجابة الخليج المحدودة لغزو العراق عام 2003، وتفاعلها السريع مع سقوط نظام الأسد، ما يعكس "نضجًا ووعيًا خليجيًا" بضرورة التحول من متلقٍّ للقرارات إلى صانع للنظام الإقليمي.

 

ملامح النظام الجديد

تشكل النظام الإقليمي الخليجي عبر تلاقي عوامل محلية وإقليمية ودولية. داخليًا، أصبحت دول الخليج بيئة جاذبة للكفاءات بفضل القوانين المرنة والبيروقراطية المنخفضة، وإدراكها لأهمية استغلال الثروة النفطية في بناء اقتصادات مستقبلية.

خارجيًا، يواجه الخليج محيطًا مأزومًا: حروب أهلية، دول فاشلة، نزاعات مستمرة، والسلوك العدواني لإسرائيل، ما يجعل الحاجة لنظام بديل أكثر استقرارًا أمرًا ملحًّا.

كما أن تراجع دور الولايات المتحدة، شريك الخليج التاريخي، دفع هذه الدول لتوسيع تحالفاتها مع قوى كبرى كالصين وروسيا.

 

سوريا كنموذج

تمثل سوريا نموذجًا حيويًا لهذا التوجّه الخليجي، حيث تترجم السياسات الجديدة إلى دعم فعلي وسريع لحكومة ما بعد الثورة. يصف السيف الملف السوري بأنه "دراسة حالة حيّة"، تظهر كيف يمكن لدول الخليج أن تكون فاعلًا متكاملًا، لا مجرد مصدر تمويل.

يشدد على أن الخليج لا يرى نفسه "ماكينة نقدية"، بل شريكًا في التخطيط والبناء ونقل الكفاءات. ويصف المشروع السوري بأنه "ملف يوحّد الخليجيين" رغم تناقضاتهم.

يجسّد هذا التكتّل الخليجي نظامًا إقليميًا جديدًا، لا يستند إلى ديمقراطية تقليدية بل إلى استقرار وتكامل، مع التأكيد على السيادة الوطنية، ورفض السلوكيات المزعزعة للاستقرار – خاصة من إسرائيل.

يرى كريج أن لدى الخليج اليوم فرصة لتوظيف علاقاته المتشعبة وتحالفاته الدولية لبناء نظام متعدد الأقطاب، يستفيد من دعم قوى كبرى، ويعيد صياغة موازين المنطقة.

https://www.middleeastmonitor.com/20250807-the-gulf-states-are-building-a-regional-order-and-syria-is-its-first-benefactor/